مستقبل الطباعة الثلاثية الأبعاد



مستقبل الطباعة الثلاثية الأبعاد
كثيرة هي الأحداث التي قد تعكر صفو يوم لطيف، منها مثلاً أن تتعرض سيارة أحدنا لحادث قد يتسبب في تحطم أحد أجزائها، مما يتطلب الذهاب إلى مركز الصيانة وشراء قطعة بديلة جديدة لتركيبها مكان تلك المحطمة وإضاعة قسط لا بأس به من الوقت والمال.   لكن التطورات المتسارعة في تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد قد تتيح بدائل جديدة في المستقبل القريب، فبدلاً من تكبد عناء الذهاب إلى مركز الصيانة وشراء القطعة الجديدة، سيصبح بإمكانك العودة إلى منزلك والبحث في موقع مختص بقطع السيارات عن النموذج الثلاثي الأبعاد للقطعة المحطمة وتحميله عبر شبكة الإنترنت. يمكنك عندها استخدام هذا النموذج لطباعة القطعة المطلوبة في المنزل وتركيبها بنفسك حين تشاء وبتكلفة قليلة جداً لا تتعدى بضعة دولارات.

لكن طباعة قطعة من قطع غيار السيارة يعتبر أمراً سهلاً للغاية في فضاء إمكانيات تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد، إذ تستخدم هذه التقنيات في يومنا هذا في تطبيقات تضاهي في طرافتها قصص الخيال العلمي. 

ففي أفغانستان مثلاً يستخدم الجيش الأميركي عدة طابعات ثلاثية الأبعاد لإنتاج قطع تبديل التجهيزات العسكرية في الميدان عند الحاجة وبسرعة فائقة، دون الحاجة إلى طلب هذه القطع من واشنطن وانتظار وصولها بأساليب الشحن التقليدية. وفي الصين تستخدم الطباعة الثلاثية الأبعاد منذ العام 2009 لإنتاج أجزاء مختلفة من المحرك النفاث لطائرة الركاب "كوماك أدفانسد جت جي21".

ولهذه الطابعات أيضاً تطبيقات شخصية ومنزلية لا حصر لها. ولعل الفضل الأكبر في ظهور وانتشار هذه التطبيقات يعود إلى الانخفاض الهائل في أسعار هذه الطابعات خلال السنوات القليلة الماضية، فبعدما كانت تكلفة الطابعة الواحدة تتجاوز نصف مليون دولار، أصبح بمقدورك الآن شراء طابعة متطورة بمبلغ لا يتجاوز ألف دولار. 

ويتوقع أن يستمر انخفاض أسعار هذه الطابعات مع ازدياد حدة المنافسة في السوق، إذ يوجد الآن أكثر من ستين مشروعاً على موقع "كيكستارتر" -المختص في جمع التمويل للمشاريع الناشئة- تسعى لإنتاج نماذج مختلفة من الطابعات الثلاثية الأبعاد، منها مشروع "ذي بيتشي برنتر" الذي يهدف إلى بيع الطابعة التي سينتجها بمائة دولار فقط.

قطعة بسكويت شُكِّلت بطابعة ثلاثية الأبعاد
(غيتي)

استخدامات عديدة
كيف يمكنك إذاً الاستفادة شخصياً من الطابعة الثلاثية الأبعاد؟ تتيح تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد إمكانية استخدام مواد عدة في عملية الطباعة، منها مثلاً البلاستيك والمعادن وحتى المواد الغذائية، أي أن هذه الطابعات يمكن أن تستخدم في تصنيع أشكال لا حصر لها من "الأشياء" البلاستيكية أو المعدنية، كالألعاب والمزهريات والأكواب والمواد التعليمية.

على سبيل المثال لا الحصر، يحتوي موقع "ثينغيفيرس" لتشارك النماذج الثلاثية الأبعاد مثلاً على أكثر من مائة ألف نموذج ثلاثي الأبعاد لأشياء يمكن طباعته باستخدام الطابعة المنزلية.

وبمقدور هذه الطابعات أيضاً إنتاج أشكال مختلفة من الأغذية والمأكولات، فقد طوّر فريق من الطلبة في جامعة واترلو بكندا طابعة يمكنها تحويل بودرة الشوكولاته إلى أي شكل ثلاثي الأبعاد دون التأثير على خصائصها الغذائية. 

ومن الميزات الفريدة لهذه التقنية إمكانية التحكم بالقيمة الغذائية المطلوبة في الأغذية التي ستتم طباعتها، إذ يمكن لطابعة المطبخ مثلاً أن تتابع أنماط استهلاك صاحبها للطعام ومدى نشاطه الفيزيائي لتحضّر وجبة مخصصة تقدم له القيم الغذائية المتناسبة مع حاجة جسمه وأهدافه الصحية، فإذا ما أفرط صاحبنا في تناول عشائه ستحضّر طابعته تلقائياً إفطارا خفيفا صباح اليوم التالي لتحقيق التوازن في حميته الغذائية. 

وعن آفاق استخدام هذه التقنية في المطاعم، يقول مدير معهد الطهاة الفرنسي دافيد أرنولد إنها ستتيح تحضير أطعمة بأشكال ومذاقات يستحيل تحضيرها حالياً، وستفتح أبواباً جديدة في مجال تزيين الأطعمة وتشكيلها، كتحضير كعكة تحتوي على عبارة تهنئة مطبوعة داخلها لن تظهر إلا بعد تقطيع الكعكة.

نموذج ثلاثي الأبعاد لوجه بشري
أنتج باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد (رويترز)

المجال الطبي
أما التطبيق الأكثر غرابة فيكمن في استخدام الطابعات الثلاثية الأبعاد في المجال الطبي لإنتاج أعضاء بديلة عن الأعضاء البشرية المتضررة، وتسمى هذه التقنية بالطباعة الحيوية، وهي تعتمد أساساً على تجهيزات مماثلة لتجهيزات الطباعة الثلاثية الأبعاد، لكنها تستخدم الخلايا الحية في عملية الطباعة أو التشكيل. 

ومن التجارب الناجحة في هذا المجال تمكُّن فريق من الباحثين في جامعة كورنيل من إنتاج هيكل أذن بشرية مصنوعة من خلايا المريض ذاته. كما نجح فريق آخر من الباحثين في إنتاج أوعية دموية بديلة لاستخدامها في عمليات جراحة القلب واستبدال الأوردة أو الشرايين. هذا ويتوقع أن تتوفر هذه التقنية تجارياً خلال بضع سنوات حال الانتهاء من اختبارات السلامة الطبية المطلوبة لاعتمادها رسمياً.

فمن غير المستبعد إذاً أن تجد مستقبلا في كل منزل عدة طابعات ثلاثية الأبعاد تحضّر إحداها الأطعمة في المطبخ، وتنتج أخرى قطع تبديل للأثاث أو السيارات، بينما تختص ثالثة في توفير ألعاب الأطفال. بل يحتمل أيضاً أن يتمكن المرء من الاحتفاظ بنموذج ثلاثي الأبعاد لأعضاء جسده المختلفة وهي في أحسن حالاتها، لينتج لاحقاً أي عضو قد يحتاج إلى استبداله مع مرور الأيام.


Read more on Aljazeera.