استفاق العالم نهاية العام 2019 على أكبر إخفاق في الاستشراف الاستراتيجي بدا في الوهلة الأولى أنه يتعلق بالقطاع الصحي، ولكنه سرعان ما نقل العدوى لقطاعات أخرى أصيب بعضها بالعجز النسبي، والبعض الآخر بالشلل .صدمة صحية خلفت ثلاث سنوات من المشاكل القطاعية التي لايزال العالم يعاني تبعاتها. وقبل أن تستعيد القطاعات المعنية عافيتها ؛ حلت صدمة جديدة لم تكن بالحسبان غيرت مجرى العلاقات الدولية وانعكست بدورها على الأمن الإنساني بأبعاده المختلفة أواسط العام 2022. وعلى الرغم من هول الموقف إزاء الوباء العالمي وتبعاته، وإزاء الحرب الروسية- الأوكرانية وانعكاساتها ، غير أن العديد من المؤسسات والمراكز البحثية الدولية سجلت رد فعلها بتكثيف الجهود الاستشرافية في قطاعات مختلفة : الصحة، الأمن الغذائي، الطاقات المتجددة، التطبيقات الذكية، السوق، الاقتصاد، المال، التعليم، الطاقة الأحفورية، الاستدامة، البيئة، المناخ، العلاقات الدولية، الاتصال الافتراضي، استشراف الاستشراف في حد ذاته...
والملاحظ على نسبة هامة من هذه الجهود البحثية أنها جعلت من مقاربة الاستشراف التشاركي الذي يقوم به المواطنون بمعية الاستشراف المعرفي بؤرة اهتمامها، ويلعب الاتصال الرقمي دورا هاما في محاولة توطين الاستشراف السحابي التشاركي بعد أن شق الاستشراف الرقمي للخبراء طريقه نحو التوطين بفضل جهود تطوير تقنيات الاستشراف التي روجت قرابة العشرية من الزمن من خلال الاستشراف بالبطاقات على سبيل مواكبة أساليب الاستشراف لخصائص المجتمعين المعلوماتي والمعرفي المعاصرين. إذ سخرت بوابات إلكترونية ومنصات وتطبيقات من أجل اندماج المواطنين في الاستشراف الاستراتيجي للقضايا والمسائل والقطاعات التي تعنيهم من خلال تبادل الرؤى الاستشرافية وتزويد الخبراء بمدخلات العملية الاستشرافية وتطويرها إلى دراسات تطبيقية متخصصة، وأيضا تمكين الراغبين منهم من التواصل مع الخبراء والافادة من اختبارات تقييم المعارف والمدركات في الاستشراف وتوجيهاتهم للرفع من مستوى الوعي الاستشرافي. ومن جهة أخرى تجلت مبادرات توطين الاستشراف عن بعد من خلال تطبيق تقنيات الاستشراف الجماعي من طرف خبراء متباعدين مكانيا، وتطوير تطبيقات وبرامج سحابية لهذا الغرض.
وبين استشراف قطاعي، اشتراكي، معرفي، رقمي، سحابي،ذكي استكشافي، معياري..تبدو التوليفة المعاصرة للاستشراف الاستراتيجي بحاجة إلى استدراك القصور المنهجي القائم على مستوى التقنيات والخطوات المنهجية الأكثر تخصصا في القطاعات المختلفة، كما تتجلى الحاجة إلى توطين المفاهيم والمبادئ والممارسات في الأنظمة والمجتمعات التي لم تنخرط بعد في التوليفة. وأيضا الحاجة إلى الابتكار الدائم والمتواصل لاستقبال مستقبل مرغوب ينحصر فيه اللا يقين المتعلق بتعقد الظواهر الإنسانية إلى أدنى درجاته.